كيف تراجع القرآن الكريم؟
بقلم: أبصار الإسلام بن وقار الإسلام
(المشرف التعليمي بحلقات المسجد النبوي سابقا)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبين يديك أخي الكريم طريقة مثلى لمراجعة القرآن الكريم وضبطه جرّبتها مع طلابي في الحلقة، وجرّبها بعض المعلّمين الذين أعرفهم، فأثمرت نفعاً كبيراً، وأنتجت حفاظاً متقنين بحمد الله تعالى، وهذه الطريقة بحاجة إلى شيخ جادٍ يتابعك فيها، وهي كالتالي:
1- قسّم الأجزاء المطلوب مراجعتها إلى أقسام متساوية، بحيث يمكن ضبط مراجعة أصعب قسم منها في شهر على الأكثر. فمثلا إذا كان المطلوب مراجعة (15) جزءا فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، كل قسم (5) أجزاء إذا كان مستوى الحفظ متوسطا، أو إلى خمسة أقسام، كل قسم (3) أجزاء إذا كان مستوى الحفظ ضعيفا.
2- ابدأ بمراجعة القسم الأول، وليكن هو القسم الأسهل بالنسبة لك.
3- طريقة المراجعة أن تحدّد مقدارا يوميا للمراجعة، وهذا المقدار يقبل الزيادة لا النقص، وتتقنه وتقرأه (غيبا) على الشيخ أو على زميل لك بمراعاة الضبط التامّ فيه، بحيث يكون خاليا من الأخطاء تماما، وخاليا من الشك والتردد إلا نادرا. وإياك والتساهل في مستوى الضبط، فلا بد من الضبط التام، ولا تقتنع بالضبط النسبي، ولو احتاج الأمر منك إلى تكرار التسميع مرات. ومثل هذا يحتاج إلى تقليل المقدار اليومي فيه حتى تقدر على الضبط التامّ، فيكون المقدار اليومي (خمس صفحات) أو أقل، إلا في الأجزاء السهلة عندك.
4- في اليوم الثاني تسمّع المقدار الجديد بنفس الطريقة السابقة، مع ربطه بمقدار اليوم الأول، وكذا في اليوم الثالث تربط المقدار الجديد بمقدار اليوم الأول والثاني، وكذا في اليوم الرابع تربط المقدار الجديد بمقدار اليوم الأول والثاني والثالث، ثم من اليوم الخامس تربط مقدار آخر ثلاثة أيام سابقة مع المقدار الجديد، وهكذا، وهذا الربط الأصل فيه التسميع كاملا لدى الشيخ أو أحد الزملاء، فإن لم يمكن التسميع فيمكن الاكتفاء فيه بالقراءة الانفرادية، ثم تختبر فيه لدى الشيخ أو أحد الزملاء.
5- تستمرّ بهذه الطريقة حتى تنتهي من القسم (خمسة أجزاء مثلا)، حينها يقوم الشيخ أو أحد الزملاء باختبارك في القسم كاملا اختبارا مكثفا، بحيث يسألك سؤالا في كل خمس صفحات على الأقل، ويحدّد نتيجتك، ويسجّلها.
6- تعود لمراجعة القسم مرة ثانية بنفس الطريقة بشرط زيادة المقدار اليومي عن المراجعة الأولى إلى الضِعف تقريبا، مع التنبيه إلى ربط المراجعة في اليوم الأول بمقدار آخر ثلاثة أيام من المراجعة الأولى، ثم تربط مراجعة اليوم الثاني بمقدار يومين من المراجعة الأولى ويوم من المراجعة الثانية، ثم تربط مراجعة اليوم الثالث بمقدار يوم من المراجعة الأولى ويومين من المراجعة الثانية، ثم من اليوم الرابع يعود الربط كما كان لآخر ثلاثة أيام سابقة من المراجعة الثانية.
7- عند انتهائك من المراجعة للمرة الثانية يقوم الشيخ أو أحد الزملاء باختبارك في القسم كاملا كالاختبار الأول، وهكذا تعود للمراجعة مرة ثالثة ورابعة وخامسة...، وتختبر بعد كل مراجعة حتى تحصل على نتيجة (99%) أو (100%). وقد تحصل على هذه النتيجة من أول مراجعة لسهولة القسم، فلا حاجة إلى إعادة المراجعة، وقد يحتاج الأمر منك إلى المراجعة عشر مرات أو أكثر. المهم أن لا تتساهل وتتجاوز القسم قبل أن تصل إلى هذه الدرجة من الضبط التامّ.
8- بعد ضبط القسم الأول تنتقل إلى القسم الثاني وتراجعه بنفس الطريقة السابقة، وبعد الانتهاء من كل مرة والاختبار فيه تعود إلى القسم الأول وتراجعه سردا مع نفسك في يوم أو يومين.
9- بعد ضبط القسم الثاني تتفرغ لربط القسم الأول بالثاني، ويكون الربط بسرد التسميع على الشيخ أو أحد الزملاء يوميا، على أن لا يقل مقدار التسميع اليومي فيه عن نصف قسم، فمثلا لوكان القسم خمسة أجزاء فيشترط أن يكون التسميع اليومي في هذه المرحلة جزئين ونصف أو أكثر. ثم تختبر في القسمين كاملين كالاختبار في القسم على حدة، ويشترط فيه النجاح بنفس النسبة المحددة في كل قسم، فإن لم تحصل عليها فإنك تعيد التسميع مرة ثانية بنفس الطريقة ثم الاختبار حتى تحصل على النسبة المطلوبة.
10- وهكذا تنتقل إلى القسم الثالث بنفس الطريقة، وبعد الانتهاء من كل مرة فيه تفرّغ نفسك يومين، وتراجع في كل يوم قسما سابقا، ثم عند الانتهاء من القسم الثالث تربطه بالقسمين السابقين بنفس الطريقة، وهكذا حتى تنتهي من المراجعة كاملة.
من أهم فوائد هذه الطريقة:
1- أنك لو ضبطت قسما واحدا من مراجعتك ثم حصل لك ظرف وانقطعت عن المراجعة فإنه لا يتفلّت منك بسهولة كما هو مجرّب.
2- مراعاة التكرار بطريقة دورية متتابعة قريبة، وهذا أساس الضبط والإتقان، بينما لو أراد أحد أن يراجع كامل مراجعته دفعة واحدة، فإنه لا يعود إلى الأجزاء الأولى إلا بعد انقطاع طويل عنها، وهذا أساس الخلل، ومنبع الإحباط.
3- قرب الهدف مع التقسيم، فإن الإنسان لو أحسّ بقرب هدفه، وسهولة تحقيقه، وكونه في متناول اليد، تشجّع لتحقيقه أكثر، وهذا ما قامت عليه طريقة تقسيم المراجعة إلى أقسام، فإن كل قسم هدف بنفسه، وهو قريب المنال لوحده، بخلاف المراجعة كاملة.
4- التفريق بين القسم السهل والصعب، فالقسم السهل لا يحتاج إلى كبير مراجعة، فيمكن ضبطه من مرة أو مرتين، فلا يضيّع الوقت بالمرور عليه كثيرا، بينما القسم الصعب يحتاج إلى تكرار كثير، ومراجعة متتابعة.
وفي الختام، أسأل الله لكم الإعانة والتوفيق، والسداد والرشاد، والله الموفق.