صِفة اللِّباس الشرعي للرجل المسلمالحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
إنَّ اللِّباسَ الشَّرعيَّ بِالنِّسبة للرَّجُل له شروطٌ عامَّة متَى تحقَّقتْ في لباسٍ جازَ لبْسُه:
1- أن يكون ساتِرًا لعَوْرَةِ الرَّجل؛ أيْ ما بيْن السُّرَّة والرُّكبة.
2- ألاَّ يكونَ شفافًا بحيثُ يصِفُ لون بشرة العوْرة تَحته.
3- ألاَّ يكون ضيِّقًا بِحيثُ يَصِفُ أعضاء العورة.
4- ألاَّ يكون فيه تشبُّه بالنساء.
5- ألاَّ يكونَ فيه تشبُّه بغير المسلمين.
6- ألاَّ يكون الثوب حريرًا.
7- ألاَّ يشتمل على محذور شرعي من الإسبال، ولبس المعصفر وغيرها.
8- ألاَّ يكونَ ثوب شهرة.
ولا شكَّ أنَّ الثَّوب العربيَّ (الدشداشة) من أفضل ما يلبسه الرجال؛ لتحقُّق الشُّروط السَّابقة فيه ولأنَّه كان أحبَّ الثِّياب إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم القَميص؛ كما ثبت عند أبي داود عن أم سلمة.
ولكنَّ هذا لا ينفي جوازَ لبس البنطلون والقَمِيص القَصير متَى توافرتْ فيهما الشروطُ السَّابقة؛ لأنهما مِما عمَّت به البلوى، وأصبح استخدامُهما ليس قاصرًا على الكفَّار وإنما يلبسها المسلمون وغيرهم؛ حتى غدت من ثياب المسلمين، ومن ثمَّ فالصلاة فيهما جائزة بغيْر كراهةٍ إذا توفَّرت الشروطُ السابقة.
وقد جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء": "أمَّا لبس البنطلون والبَدْلة وأمثالِهما من اللِّباس فالأصْلُ في أنواع اللباس الإباحة؛ لأنه من أمور العادات، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} الآية [الأعراف: 32]، ويُستثْنَى من ذلك ما دلَّ الدليل الشرعيُّ على تَحريمِه أوْ كراهَتِه كالحرير للرِّجال، والذي يصف العورةَ لكونه شفَّافًا يُرَى مِنْ ورائِه لونُ الجِلد، أو ككونِه ضيِّقًا يُحدِّد العورة؛ لأنَّه حينئذ في حُكْمِ كشْفِها وكشْفُها لا يجوز، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبُّه بهم، وكلبس الرجال ملابس النساء، ولبس النساء ملابس الرجال؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبُّه الرِّجال بالنساء والنساء بالرجال، وليس اللباس المسمَّى بالبنطلون والقميص مِمَّا يختص لبسه بالكفار، بل هو لباس عامٌّ في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول، وإنَّما تنفِرُ النُّفوس من لبس ذلك في بعض البلاد؛ لعدم الإلف ومُخالفة عادة سكَّانها في اللباس وإن كان ذلك موافقا لعادة غيرهم من المسلمين، لكنَّ الأولى بالمسلم إذا كان في بلدٍ لم يعتَدْ أهلُها ذلك اللباس ألا يلبَسه في الصلاة ولا في المجامع العامَّة ولا في الطرقات". انتهى.
أمَّا ما يعلق بالثِّياب من الأترِبة والغُبار والمعادن وغيرُها من الطاهرات، فلا مانِعَ من الصلاة في الثياب الملوَّثة بِها على الأصل ولو كانت غيرَ نظيفةٍ ما دامتْ طاهِرة، ولكن مع مراعاة عدم تأذَّى المصلين وتلويث المسجد، وإن كان الأفضل والأكمل أن تجعل ثيابًا أخرى نظيفة للصلاة ما لم يشقَّ عليك ذلك.
وأمَّا قولُه تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 21] فالمقصود به ستْرُ العورة؛ كما روى مسلم في "صحيحه" عن ابن عباس قال: "كانتِ المرأةُ تطوفُ بالبيْتِ وهى عُريانة فتقول: مَن يعيرُني تِطْوَافًا، تَجعَلُه على فرْجِها وتقول: اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ، فنزلت هذه الآية {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 21]".
قال القرطبي في "تفسيره": "دلَّتِ الآيةُ على وُجُوبِ ستر العورة، وقد نصَّ العلماء على أنَّ سترَ العورة شرطٌ من شروطِ صحَّة الصلاة"،، والله أعلم.