تعجلوا إلى الحج
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تَعَجَّـلُوا إلَى الْـحَجِّ، فَـإنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رواه الإمام أحمد وغيره.
يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته - في هذا الحديث - على الاستعجال إلى الحج خوفاً من هجوم الموانع، والعوارض المعوقة، من مرض مقعد، أو شغل بولد أو مال، أو عدو مانع قاطع عن الطريق، وغيرها من أنواع الآفات.
وهذا الحديث: من الأدلة على وجوب الحج على الفورية، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وهو الصواب الذي تؤيده الأدلة الكثيرة، منها هذا الحديث، ومنها: أن الله - تعالى - قال في كتابه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (آل عمران: 97). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أيـُّـهَا النَّـاسُ، إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْـحَجَّ فَحُجُّوا» رواه مسلم (1337).
وهذه أوامر من الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، والأصل في الأمر الوجوب والفورية، كما قرره علماء الأصول للأدلة الكثيرة المبسوطة في مواضعها.
ومنها أن الله - تعالى - قد أمر بالمسارعة إلى الخيرات فقال: وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبَِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأّرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (آل عمران: 133). وقال: فَاسْتَبِقُو الْـخَيْرَاتِ (البقرة: 148).
والتأخر عن ذلك خلاف صفات المتقين، وخلاف ما أمر الله - تعالى - به عباده الصالحين من المبادرة إلى الخيرات.
وأما الاستدلال بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحج إلا في السنة العاشرة مع أنه فرض في السنة السادسة، وهذا دليل على أنه واجب على التراخي.
فغير صحيح! وذلك أن الصواب: إن الحج فرض في السنة التاسعة، ولم يحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة لوجود بعض المشركين الذين يطوفون بالبيت عراة، فأرسل أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذِّن في الناس: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفون بالبيت عريان، رواه البخاري (3/ 483).
وقال الـعلامة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
وأما فرض الحج فالصواب: أنه في السنة التاسعة، ولم يفرضه الله - تعالى - قبل ذلك، لأن فرضه قبل ذلك ينافي الحكمة، وذلك أن قريشاً منعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - من العمرة فمن الممكن والمتوقع أن تمنعه من الحج، ومكة قبل الفتح بلاد كفر، ولكن تحررت من الكفر بعد الفتح، وصار إيجاب الحج على الناس موافقاً للحكمة، والدليل على أن الحج فرض في السنة التاسعة أن آية وجوب الحج في صدر سورة آل عمران، وصدر هذه السورة نزلت عام الوفود.
فإن قيل: لماذا لم يحج النبي - صلى الله عليه وسلم - في التاسعة، وأنتم تقولون على الفور؟
الجواب: لم يحج - صلى الله عليه وسلم - لأسباب:
1- كثرة الوفود عليه في تلك السنة، ولهذا تسمى السنة التاسعة عام الوفود، ولا شك أن استقبال المسلمين الذين جاءوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليتفقهوا في دينهم أمر مهم، بل قد نقول أنه واجب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ ليبلغ الناس.
2- أنه في السنة التاسعة من المتوقع أن يحج المشركون، كما وقع فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخر من أجل أن يتمحض حجه للمسلمين فقط، وهذا هو الذي وقع «فإنه أذن في التاسعة ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» وكان الناس في الأول يطوفون عراة بالبيت إلا من كان من غير قريش فلا يمكــــن أن يطوفوا بثيابهم بل يطوفون عراة، وكانت المرأة تطوف عارية(1).
ــــــــــــــــــــ
1- الشرح الممتع (7/ 17 - 18).
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم